تاريخ الأكراد

كمال شيخو

يرجع تاريخ الأكراد إلى الألف الثالث قبل الميلاد حسب التنقيبات الأثرية في شمال العراق والتي تسمى الآن كردستان العراق والمتمتعة بالحكم الفدرالي ضمن عراق ديمقراطي تعددي فدرالي, وأسس الأكراد إمبراطوريات كان أخرها إمبراطورية ميديا التي انهارت مع بروز الإمبراطورية الأشورية التي قضت عليها, والغريب عن هذا القوم انه كل ما انهار في إمبراطورية كان يرجع قدما إلى الخلف أي إلى الجبال التي كانت المأوى الأمن الوحيد لهم وبعبارة أخرى كانت الجبال الملاذ الأمن للأكراد دائما وقوة الأكراد في الدفاع عن أنفسهم في تلك الجبال كانت عالية التفوق وسجل العديد من الباحثين عن اصل هذا الشعب هذه المعلومة مثل ادم سميث الرحالة الذي جال معظم الأراضي ذات الأغلبية المردية واعترف بما أوردناه في الأعلى .

و يرجع سبب انقسام الأكراد بين الدول وبين الأديان إلى الاتفاقيات التي كانت تبرم بين الدول ذات النفوذ على الأراضي التي يستوطنوها الأكراد أبا عن جد وهذه التقسيمات أدت إلى انقسامهم, ففي معركة جاليدران في 14 تمز لعام 1514 التي انتصر فيها العثمانيون على الفرس عقد الطرفين على إثرها اتفاقية قصر شيرين التي تضمنت تقسيم مناطق النفوذ بين الإمبراطوريتين ومن سوء حظ الشعب الكردي أن يكون ضحية الانقسام وتعتبر هي المرة الأولى لانقسام الأكراد في التاريخ .

ومع بداية القرن العشرين أي بعد الحرب العالمية الأولى التي قامت الدول المستعمرة للمنطقة بتقسيم تركة الرجل المريض ويقصد التركة العثمانية, ما بين دول الحلفاء بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المناطق الكردية إلى أربع أجزاء رئيسية وجزء منح إلى الاتحاد السوفيتي وانقسم ذلك الجزء الصغير إلى جزأين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وقسم الأكراد بين أربع دول وهي تركيا التي يقطنها الآن ما يقارب 20 مليون نسمة وإيران التي يقارب عدد الأكراد فيها 8 ملايين والعراق ويقدر عدد الأكراد 7 مليون و سوريا يوجد فيها ما يقارب 2 مليون ونصف.

بعدها أسس الأكراد عدد من الإمارات مثل إمارة ديرسم وإمارة بدر خان التي قضي عليها نهائيا عام 1884 وهي كانت أخر إمارة كردية إلى أن أسس الأكراد في القرن العشرين مملكة كردستان وجمهورية مها باد في إيران والتي دامت أحدى عشر شهرا أي 330 يوم وسقطت على يد النظام الإيراني الشاهشاني واعدم رئيسها وهو القاضي محمد واثنين من قياديي الدولة, وبعدها لم يكن للأكراد أي إمارة أو جمهورية إلى الوقت الحديث حيث يتمتع الأكراد في العراق منذ عام 1991 بالحكم الذاتي وبعد سقوط النظام العراقي السابق أصبحت المناطق الكردية في شمال العراق تتمتع بـ "الفيدرالية" .

و الأكراد يعتنقون الديانة الإسلامية لعدد من العوامل وهي :

1 _ بعد الأكراد عن مركزي انتشار كلا من الديانات اليهودية والمسيحية, بحيث أن الأكراد كانوا يقطنون الجبال العالية التي كانت تصعب الوصول إليها.

2 _ انتشار الديانة الايزيديه بين جميع الأكراد وهي التي اعتنقها بعض أقوام الهندو أوربيه على يد رسولها زرادشت ويعتبر هذا الرسول من أول الداعين إلى التسامح بين الأديان و العيش معا دون التفرقه بين دين و أخر .

3 _ دخل الأكراد الإسلام منذ عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يشهد الإسلام له بحنكته السياسية وحكمته, حيث أراد عمر بن الخطاب إيصال الدعوى إلى ما وراء الجبال أي جبال زاغا روس و يقصد الجبال التي كان الأكراد يقطنوها فأرسل عدة حملات عسكرية وترجع دائما منهزمة لشدة الأكراد وبأسهم في القتال ومعرفتهم القتال في الجبال بعكس الجيوش الإسلامية التي لم تكن تمتلك الخبرة في القتال في تلك الجبال.

ولحنكة عمر بن الخطاب أرسل وفد إلى الأكراد لطرح الدين الجديد عليهم عن طريق الرسل أي عن طريق السياسة كما نسميها اليوم, وبعد عدد من المحاولات نجحت تلك الإرساليات في إنجاح مهامها وهو دخول الأكراد إلى الدين الجديد وهو الإسلام بدون قوة وكان دخولهم يعني فتح أبواب البلاد التي كانت تقع خلف الجبال لنشر رسالة الإسلام التسامحية .

ويرجع وجود بعض الأكراد يهود أو مسيحيين إلى هجرة الأكراد إلى تلك المناطق ذات الأغلبية اليهودية أو المسيحية وقناعتهم بها مما أدى إلى اعتناق ديانتهم, وبسبب انقسام الأكراد بين الإمبراطوريتين العثمانية ذات المذهب السني والإمبراطورية الفارسية ذات المذهب الشيعي, أيضا انقسم الأكراد إلى سنة وشيعة و لكن الأغلبية الكردية تعتنق المذهب السني, وبهذا يكون الأكراد منقسمين في الدين بين أعداد قليلة من اليهودية والمسيحية ونسبة 15 % شيعة إلى الأغلبية السنية بالإضافة إلى احتفاظ بعض الأكراد بدينهم الأصلي ويقصد بي الدين الزرادشتي أو الايزيدي .

و يتكلم الأكراد اللغة الكرمانجية وهي إحدى اللغات الهندو أوربية وهي مستقلة ولها لهجات خاصة بها, فأكراد تركيا بالإضافة إلى الكرمانجية هناك اللهجة الزازاكية وأكراد العراق توجد اللهجة السورانية والبهديانية, وهي عبارة عن رسوم تشبه اللغة الصينية أو اليابانية ولكن تكتب من اليسار إلى اليمين وفي القرن التاسع عشر في نهايته على يد المرحوم كاميران بدر خان نقل الأحرف الكردية في كتابتها إلى الكتابة اللاتينية التي تستخدمها معظم الشعوب, والأحرف الكردية عددها 33 حرفا لان الأحرف الصوتية تكتب كباقي الحروف.

وأشهر أعياد الأكراد هو عيد نيروز الذي يصادف 21 أزار و يعني عيد قدوم الربيع أو بداية الخير وطقوس العيد غريبة بعض الشيء إذ أنهم في ليلة العيد يجب أن يشعلوا نار كبيرة لا تنطفئ إلى الصباح وفي اليوم التالي على الجميع لباس ازهى الألوان الجميلة من الثياب المزخرفة بألوان العيد ويدل هذه الطقوس إلى قصة حدثت في التاريخ القديم لأحد الملوك الظالمين الذي أصيب بمرض خبيث وعلاجه هو المخ الموجود في الدماغ لدى وكان يجب أن يقتل كرديان كل ما اشتدت حالة الملك, ولكن رحمة الالهه كانت حكيمة حيث أن الطبيب كان يقتل واحد والأخر يطلق سراحه ويهربه خارج القلعة المحصنة ويقتل بدلا عنه خروف, و تجمع هؤلاء الفارين في أعلى قمم الجبال وشكلوا جيشا هاجموا الملك وقضوا عليه في 20 أذار و في 21 آذار كانت الأعياد تبهج جميع أنحاء المملكة.

أكراد سوريا أنموذجا :

بعد اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت ممتلكات الدولة العثمانية تم تقسيم الدول ورسم حدودها الجديدة أصبح جزء من الأكراد سوريين, وناضل الأكراد ضد الانتداب الفرنسي جنبا إلى جنب مع باقي السوريين, فمن رجالات الأكراد المعروفين يوسف العظمة وزير الحربية وقائد ثورة الشمال إبراهيم هنانو, وانتفض الأكراد في مناطقهم انتفاضتين هما الأولى للشيخ سعيد أغا الدقوري والثانية انتفاضة بياندور, ولم يتوانى الأكراد يوما عن أداء واجبهم الوطني, وبعد الاستقلال ساهم الأكراد مع باقي السوريين في بناء سوريا الحديثة ذات النظام الديمقراطي النيابي الذي يوفر الحقوق والحريات لجميع السوريين دون تمييز في العرق أو الطائفة.

إلى مجيء الوحدة بين سوريا ومصر عام 1957 و الذي كان أسوء شروط الوحدة حل الأحزاب السياسية, فظهرت المشاكل ونمى النزوع القومي لدى الأكراد بسبب رفع الوحدة شعارات عروبية والتمسك بها والسعي إلى تحقيقها, فرأى الأكراد إنهم مستثنيين لأنهم ليسو عربا ولن يكونوا فبدا الخوف يراودهم بأن المرحلة القادمة ستكون أقسى وسيعامل الأكراد بطريقة غير عادلة.

وفعلا توجت هذه المخاوف بعد الإطاحة بحكومة الوحدة واستلام المنفصلين النظام الذين حولوه إلى أداة لإشباع حقدهم وكراهيتهم للأكراد الذين كانوا يتهمونهم بالانفصال واقتطاع جزء من سوريا وإلحاقه بدولة أجنبية, وباشر هذا النظام بتطبيق المشاريع الاستثنائية بحق أبناء نفس البلد, ففي عام 1962 صدر المرسوم التشريعي الذي يحمل الرقم 93 الذي جرد بموجبه ما يقارب 120000 مواطن كردي من جنسيته بطريقة غير قانونية أي ليس عن طريق القضاء.

وبعد انقلاب حزب البعث التيار اليميني واستلام الحكم في سوريا أيضا اتبعت سياسة استثنائية بحق الأكراد إذ أصدروا قرار بتطبيق المشروع الاستثنائي الحزام العربي, ويقصد به إنشاء حزام من العوائل العربية على الحدود السورية التركية لقطع الأكراد السوريين من الاتصال مع أكراد تركيا واستقدم هذه العوائل من دير الزور والرقة وحمص واستوطنوا الأراضي التي نوعت من الأهالي الكردية بقوة السلاح والقوة والحزام طوله 365 كم و بعرض 10 إلى 12 كم على طول الحدود السورية التركية.

و بعد استلام حزب البعث التيار اليساري بزعامة الرئيس المرحوم حافظ الأسد مارس أيضا طبقت نفس السياسات الاستثنائية بحق هذا الشعب المسالم والذي لم يعلن يوما التمرد أو العصيان على الدولة عبر جميع المراحل التي مرت بها سوريا, من تعريب أسماء القرى الكردية التي حملت أسماء تاريخية مشتقة من حوادث تاريخية أو نسبا إلى العائلات التي حكمت تلك المناطق, و الآن هناك قرى اسمها البعث وشط العرب وجونيه في الشمال السوري... ثم أصدرت الجهات الرسمية قرار يمنع تسجيل الأولاد بأسماء غريبة ويقصد بها الأسماء الكردية مثل كليستان واردشير و... في موقف مثير إذ أن احد المواطنين سجل اسم ابنه شفان ويعني باللغة العربية الراعي وقد جاء اسمه في السجلات المدنية راعي.

و فصل الطلبة الكرد بين الحين والأخر من الجامعات السورية إلى فصل العمال من وظائفهم إلى عدم السماح بتسجيل أي قطعة ارض باسم مواطن كردي و عدم معالجة السلطات قضية المجردين من الجنسية .

و في اذار 2003 و على خلفية مباراة كرة قدم بين فريق الفتوة من دير الزور و فريق الجهاد من القامشلي, اشتعلت بين جمهور الفريقين الحساسية من الهتافات التي كانوا ينادون بها, إذ أن مشجعو فريق الفتوة هتفوا باسم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ومشجعوا فريق القامشلي هتفوا باسم الزعماء الأكراد مسعود البارزاني وجلال الطالباني وبدء المشجعين بتراشق الحجارة مما أدى إلى تدخل قوات حفظ النظام وبدلا من معالجة التوتر وفك الاشتباكات, وقفت إلى جانب فريق الفتوة وأطلقت العيارات النارية وخاف الأكراد فخرجوا بسرعة من الملعب الذي يوجد له باب واحد فقط خرج منه ألاف الناس وعلى اثر ذلك الازدحام قتل ثلاث أطفال أبرياء بالدهس بين الأجرين وعندما عرف الأكراد ما حدث رجعوا إلى الملعب وبأيديهم العصي والحجارة وهاجموا الملعب .

وفي اليوم الثاني عندما قرر الأكراد دفن القتلى والمطالبة بتحقيق عادل, فقد خرج الآلاف بتظاهرة سلمية وقامت قوات حفظ النظام بإطلاق العيارات النارية فوق راس المتظاهرين ليفترقوا واشتعلت نار الفتنة وقام الأكراد على مدى أربعة أيام بإحراق المؤسسات الحكومية وحدثت مواجهات منفردة بين الأكراد والعرب من جنب ومن جنب أخر بين الأكراد ورجال الشرطة وقتل 34 مواطن كردي وقتل 2 من العرب.

بعد هذه الأحداث أدرك الأكراد إن النظام السوري لا يرحمهم فقرروا أن يغيروا سياستهم وان يعملوا إلى جانب القوى التي تدعوا إلى التغير والديمقراطية, فقد عقدت عدة لقاءات بين قوى الحركة الكردية والمعارضة السورية في الداخل و أثمرت هذه اللقاءات بإعلان دمشق للتغير الديمقراطي ويضم معظم قوى المعارضة من جميع الأطياف والأقليات الموجودة في سوريا .

إذا مما نرى أن الأكراد عانوا كثيرا من الضياع والحرمان وتطبيق اشد السياسات العنصرية بحقهم ورغم كل ذلك قرر الأكراد أن يحملوا قضية الإصلاح والتغير مع باقي السوريين وان يتمسكوا بالهوية السورية وأن لا يفرطوا بجزء من الأراضي السورية وأن يناضلوا جنبا إلى جنب مع باقي المناضلين الذين حملوا لواء التغير والإصلاح .